بين أهل الشرعية وأهل التفويض .


                                                                  
بالطبع تذكر منذ أسابيع قليلة كيف كانت السخرية من مؤيدي محمد مرسي وأفعالهم وأرائهم ،هذا أمر يعلمه الجميع ولا ينساه أحد .. فمؤيدي مرسي كانوا قد تخطوا بأرائهم وتصريحاتهم  كل حدود العقل والمنطق والمقبول . فماذا عن مؤيدي الرئيس الجديد ..؟ 
إن كانت تبادرت إلى ذهنك بعد هذا السؤال صورة الرئيس عدلي منصور فلا حاجة لك لإكمال قراءة هذا الكلام الفارغ لأن حدوث ذلك ينُم عن خلل ما في إدراكك للمشهد السياسي الحالي أو خلل في وظائف العقل نتيجة التصديق التام للتلفزيون والصحف .. ما قصدته بالرئيس هو الفريق عبد الفتاح السيسي الحاكم الفعلي لمصر والمُدير الأول لشئون البلاد .. هكذا يبدو لي ...  ماذا عن مؤيديه .؟ ومالفرق بينهم وبين مؤيدي سابقه محمد مرسي .؟ وإلى أي حد قد يختلف مؤيدوه في أرائهم وثقافتهم في التأييد عن مؤيدي محمد مرسي ..

الحقيقة أني حاولت أن أجد بعض الفروق بين هؤلاء وأولئك فلم أجد !! ربما كان ذلك لتقصير مني أو لعجزي عن إدراك المشهد إدراكاً سليماً وسأطرح عليك ما توصلت إليه من أوجه الشبه :-

* في  نوفمبر 2012 طلب محمد مرسي من مكتب الإرشاء مظاهرات مؤيدة للإعلان الدستوري "بحسب ما قاله مراد علي في التحقيقات معه " ، فخرجت المظاهرات المؤيدة لقرارات محمد مرسي قبل أن يدرس المشاركون فيها هذة القرارت وربما كان البعض لا يعلم ماهي هذة القرارات أصلاً . في  يوليو 2013 طلب عبد الفتاح السيسي يطلب من الشعب النزول إلى الميادين لتفويض قوات الجيش والشرطة فى محاربة العنف والإرهاب وحماية المصريين من أخطارهما ،فنزلت  الميادين إلى الملايين ليلبوا دعوته طامعين في أن تقوم قوات  الجيش والشرطة بواجبها نحوهم . كثيرين ممن نزلوا وشاركوا كانوا يعلمون فداحة فعلهم وأنهم لايحُسنون صنعاً ومع ذلك فقد شاركوا ..!! وهنا قد يعترض واحداً من أهل التفويض ويقول "  أننا لم ننزل من أجل عبد الفتاح السيسي كما نزل الأخرون من أجل مرسي . ولكننا نزلنا من أجل هيبة الدولة من أجل حفظ الأمن وعودة الأستقرار " .. وهنا نلمح أيضاً وجه أخر منوجوه التشابه بين الفريقين .فعندما خرج مؤيدين مرسي في مظاهراتهم كانوا يقولون كلاماً يشبه هذا الكلام البراق .. " أننا لم ننزل من أجل مرسي إنما ننزل لحماية الثورة وحماية إرادة الشعب ،ولمحاربة الفاسدين وكشف فسادهم ولحماية أول رئيس مصري منتخب بعد الثورة والذي يريد أعداء الثورة وأعداء الديمقراطية إفشاله " ..! كلا الفريقين تغنى بنفس الشعارات ولكن كلاهما في الواقع حركته العاطفة تجاه الشخص وربما العقل تجاه الشخص أيضاً .. المهم أن كلاهما نزلا من أجل الأشخاص ..

* ومن أكثر ما أُخذ ويؤخذ على مؤيدين مرسي وعلى أعضاء جماعة الإخوان عامة تبريرهم الفج لأي خطأ يقع فيه محمد مرسي أو تقع فيه الجماعة حتى أصبحوا كالقطيع يسير وراء الراعي وحق عليهم القول . وكأنه مرض يصيب أي مؤيد لأي شخصية سياسية في مصر فسرعان ما انتقلت العدوى لقطيع أخر وراعي أخر غير أن مايتعذر علي قبوله هو أن القطيع الجديد " أهل التفويض " طالما انتقدوا  القطيع القديم " أهل الشرعية " و أخذوا عليهم ولاموهم على تأييدهم وإنسياقهم وراء الراعي وتبريرهم الغير متناهي لقراراته فإذا بهم يرتكبون نفس الأخطاء كتبرير أحد الأصدقاء - -الذي لا أشك في انحيازه الثوري وكراهيته للمجلس العسكري الأول وفترة حُكمه "فبراير 2011- يونيو 2012 " – مشاركته في مظاهرات التفويض  أنه سيشارك لكي يوصل رسالة للعالم الخارجي أن ماحدث في 30 يونيو لم يكن إنقلاباً عسكرياً وإنما كانت إنتفاضة شعبية ..!! وكأن العالم الخارجي  لا يعرف حقيقة مايحدث في مصر ، وكأنهم في نفس سذاجتنا حتى يُضحك عليهم بهذة البساطة .، وكأنهم عندما يرون الفريق السيسي "وزير الدفاع " يخاطب الشعب ويناشده النزول إلى الشوارع والميادين دون تكليف من رئيس الجمهورية أو من رئيس الوزراء لن يتطرق الشك إليهم أبداً في أن الجيش هو الحاكم الفعلي لمصر ..!!!

* ومن ضمن صفات الخراف في القطيع .هو التصديق التام لإعلام الراعي ومروياته التي يضحك بها على العقول .رأينا بعض مؤيدي مرسي وهم مقتنعين بأن مرسي صلى بالنبي ، وأن الصحابة والأنبياء يؤيدون مرسي ، لكن أغلبهم إن لم يكن كلهم صدقوا أن البرادعي قبض أربعة مليارات جنيه من الإمارات للعمل على إسقاط مرسي وأن معارضة محمد مرسي هي معارضة للمشروع الإسلامي وربما للإسلام نفسه .... على الجانب الأخر رأينا ونرى مؤيدين السيسي مقتنعين تماماً بأن على مصر مؤامرة أمريكية وأن أكبر 18 مؤسسة مخابرات في العالم قد اجتمعوا من أجل إعلان الحرب على مصر لكن أغلبهم تعامل مع أي معارض أو مختلف مع سياسات الفريق السيسي هو معارض للجيش أو هو من الأخوان أو من خلاياهم النائمة وأي إدانة للأستخدام المفرط للقوة والعنف المفرط من قبل قوات الأمن في أحداث فض الأعتصام لا تصدر إلا عن إرهابي أو ممول أو شخص جاهل بالسياسة حتى لو كانت من بابا الفاتيكان ..!! فهو بذلك يتعامل مع الإرهابيين  ،رأيناهم يصدقون أن الناشط الفلاني ممول من الدولة الفلانية
والناشط الأخر إخواني متخفي أو من خلايا الإخوان النائمة ، وتجاوز تصديقهم حدود العقل والمنطق عندما صدقوا أن متظاهرين الإخوان قد ألقوا بمدرعة  شرطة من أعلى كوبري أكتوبر وهو مالم يحدث بالطبع وما بينه الفيديو بعد الواقعة أن السيارة كانت على وشك الاصطدام بسيارة شرطة أخرى فحاول سائق المدرعة التراجع فسقطت وهي تتراجع للخلف من أعلى الكوبري .، وصدقوا أيضاً أن قوات الشرطة وجدت جثث تحت منصة رابعة العدوية لقتلى قتلهم الإخوان وعذبوهم حتى الموت .الأمر الذي لم أستبعد حدوثه عن نفسي لولا أني رأيت صور الجثث في التلفزيون وقد غطتها أكفان ناصعة البياض وكأن من بداخل هذة الأكفان لم يمض على قتله بضع دقائق .إذ كيف تحتفظ الأكفان بهذا البياض الناصع لمدة أيام في مثل هذا الحر الشديد فيما يفترض أنه مضى على قتلها أيام ودفنها أسفل منصة الأخوان في رابعة العدوية ..!!


* وكنت أحسب أن للإخوان موهبة خاصة وقدرة استثنائية على تشويه المخالف لهم أو المختلف معهم سياسياً  معتمدين في ذلك على الكدب والتدليس واللعب على أوتار الدين والعاطفة الدينية .فما يلبث الإخواني أن يعلم أنك تختلف معه حتى يختلق لك من التشويهات مايسىء إليك وكأنها عقيدة عندهم ألا يترك معارض ذو سمعه نظيفة فنسمع منهم سيل من الإهانات والتشويهات مثل "علماني – ملحد – شيعي – معادي للإسلام – منافق " ، غير أنه اتضح هذة المواهب والملكات انتقلت أيضاً بإنتقال العدوى إلى صفوف أهل التفويض فأنت إذا ما أعلنت أنك تختلف سياسياً مع الفريق السيسي في أمر ما أو أنك ترفض القرار الفلاني أو المظاهرات الفلانية حتى تنهال عليك الشتائم والإتهامات وقد تكون واحداً من هؤلاء " خاين لبلدك – ضد جيشك الوطني – ارهابي – ممول – خلايا إخوانية – شمام كُله – حكوكي " وفي الأخيرة أكبر إهانة واستهزاء بمواقف قطاع كبير من السياسين والنشطاء الحقوقيين العاملين بمجال حقوق الإنسان وهم من أصحاب الفضل في مسيرة الثورة في مصر  وأصحاب دور كبير في قضايا الأعتقالات السياسية والمعتقلين من شباب الثورة ..يتضح من اتهامات الفريقين أنهما ولأول مرة يختلفا عن يعضهما فالأول اتجه إلى الدين وكفر معارضيه  أما الأخر  فيكفيه أنه لم يكفر أحداً .وهذا أيضاً مردود عليه فكلا الفريقين زايد على الأخرين بما يناسب ويخدم موقفه فالتيارات الإسلامية من الطبيعى أن تزايد على غير الإسلاميين بإسلامها وتطعن في دينهم والتيارات التي تدعي وطنيتها من الطبيعي أن تزايد على الأخرين بوطنيتها وتطعن في انتمائهم .العجيب أن أهل الشرعية اقتصر الإسلام عندهم على تأييد محمد مرسي وأهل التفويض اقتصرت الوطنية عندهم على  دعم السيسي وفي هذا تشابه أخر .

* وأخيراً فأن كلا الفريقين قد تشابها في إلغاء العقل واقتصر تفكيرهم السياسي على العاطفة فقط ، ووفي تنفيذ الأوامر وربما الطلبات ، و  التبرير غير المتناهي للسلطة ، و تصديق أشياء لا عقلانية أقرب إلى الخرافات والأساطير و تشويه المعارضين والتدليس عليهم ، و حب الحياة تحت ظل نظريات المؤامرة . وفي غياب الإنصاف  وأشياء أخرى لم أتوصل إليها فمن الواضح فعلاً أن ثقافتنا في التأييد لم تتعدى بعد مرحلة المراهقة أو أن لتأييد الأشخاص في مصر مرض سريع العدوى سرعان ما يتناقل من قطيع إلى قطيع ..طريق التحرر مازال طويلاً .