فى المواصلات وذلك
الحديث التقليدى للمصريين عن هموم الحياة التى لا تنتهى ،وإذ بالحوار يتركز على
مسألة صعود التيارات الاسلامية ، وهل سيجعل الاسلاميين من مصر باكستان أخرى وهل سنرى بن لادن جديد بجنسية
مصرية .. و يبدو أن الحديث عن بن لادن قد أثار حفيظة الملتحى الذى أخذ يدافع عن بن
لادن ورجالة ويتحدث عن أعماله وتدينه وعن مناقبه وعن ثوابه عند الله وكيف أنه كان
يحظى بتأييد العلماء والفقهاء والشيوخ الكبار و أنه -أي بن لادن - يكفيه أنه أعاد
إلى الأمة عزتها ورفعتها بإحيائه فضيلة الجهاد و أنه ضحى بماله وأعماله من أجل
نصرة الاسلام ورفعة شأنه وإعلاء راية الحق ..وغيرها من الصفات والمزايا .
بدا أغلب الركاب غير
مقتنعين بكلامه لكنهم كانوا خارج نطاق الحوار فالملتحي يدعم وجهة نظره
بفيض من الأحاديث والأيات مصحوبة بتفسيرات خاطئة لمعانيها ،أوربما لأن أغلبهم من
البسطاء المطحونين من شقاء إلى شقاء والذين لايعنيهم أن يكون بن لادن إرهابياً أو
أن يكون نبياً مرسلا .فتفكيرهم الدائم فى هموم الحياة قد أغناهم عن التفكير فى أي
شيء أخر ..
أما أنا فإلى
جوار النافذة .وعيناي إلى الخارج أكتفي بالاستماع وألوذ بالصمت وأفكر فى
حنق في هؤلاء الذين يجعلون من بن لادن شهيداً ومجاهداً .حتى أخرجنى من
تفكيرى ذلك الرجل الذى قاطع الملتحى قائلاً :
" ماخلاص بقى .! وجعت
لنا دماغنا .. لما هو مجاهد وخايف ع الاسلام كده كان راح حارب اليهود وطلعهم من
غزة .."!!
قالها هكذا مستهزءاً
فى عفوية بالغة وكأنه يتحدث إلى ابنه أو حفيده .. كان فلاحاً بسيطاً في العقد
السادس من عمره أو هكذا بدا عليه .
تعجبت لهذا الرجل الذى كسر حالة الصمت السائدة وقاطع الملتحى الذى ظل مرتبكاً يهمهم ببعض الكلمات يحاول ان يستجمع افكاره وكأنها ذهبت من عقله بلا رجعة أمام اجابة الرجل القاطعة.
ظل على هذا الحال بضعة دقائق حتى نزلتُ من السيارة ولا زال الموضوع
حاضراً في عقلي وخيالي ..وسألت نفسي :ماذا لو كان
تناقش مع الملتحى أحد النشطاء السياسيين أوأحد المثقفين عن بن لادن...؟ لاشك أن الحوار كان سيتطرق إلى مسائل سياسية وحقوقية وربما إلى مسائل شرعية وفقهية وذلك الكلام الكبير الذي حتماً سيضيق به
هولاء البسطاء من الناس. وربما احتدم النقاش وعلت الأصوات دون جدوى . وأثق تماما من أنه ما كان ليستطيع أن يرد عليه بذات البديهة الحاضرة والإجابه المقنعة التى رد بها الرجل البسيط ....